
عند منفذ حالة عمار الحدودي شمال المملكة، وعلى حافة الحدود الأردنية، توقفت عجلات دراجة الشاب البلجيكي أنس (26 عامًا) بعد رحلة استثنائية استمرت أكثر من 3 أشهر. خلال هذه الفترة، قطع أنس آلاف الكيلومترات، عابرًا تسع دول أوروبية وعربية في طريقه لأداء مناسك الحج.
تحديات لا تُحصى
على مدار أكثر من ثلاثة أشهر، اجتاز أنس الرزقي طرقًا شاسعة بين مدن وقرى في أوروبا والشرق الأوسط، بدءًا من بلجيكا، مرورًا بألمانيا، والنمسا، وإيطاليا، والبوسنة والهرسك، وصولًا إلى تركيا. وعند عبوره مضيق البوسفور إلى الضفة الآسيوية، وصل إلى الأردن حيث استقبلته وجوهٌ طيبةٌ وقلوبٌ مفتوحة في كل محطة توقف بها.
روى أنس تفاصيل رحلته بابتسامة صادقة، قائلًا: “واجهت تحديات لا تُحصى: من تقلبات الطقس إلى الشعور بالوحدة أحيانًا. لكن ما كان يمدّني بالقوة دائمًا هو الدعوات الصادقة والابتسامات الدافئة ممن قابلتهم في طريقي”.
الحلم الكبير
عند دخوله الأراضي السعودية، لم يستطع أنس إخفاء تأثره؛ فقد توقف قليلًا ليتأمل الطريق الممتد أمامه، وكأنه يحاول احتواء لحظة اقترابه من حلمه الكبير. قال أنس بصوتٍ مفعمٍ بالترقب والأمل: “إنها لحظة لا يمكنني وصفها بسهولة. شعرت بأنني أقترب من حلمٍ عشتُ سنواتٍ في انتظاره. الآن، كل ما يشغل بالي هو الوصول إلى أقرب نقطة أمام الكعبة، تلك اللحظة التي سأرى فيها الكعبة للمرة الأولى”.
نموذج ملهم
استُقبل أنس لدى وصوله من قبل مسؤولي إحدى الشركات، التي احتفت به كنموذج ملهم. وأوضح أحمد بن عباس سندي: “رحلة أنس تذكّرنا بأن الحج شعيرة تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، وتعزز مسؤوليتنا تجاه تطوير منظومة استقبال تليق بضيوف الرحمن مهما تنوّعت ظروفهم وطرق قدومهم”.
أما محمد خان، فقد رأى في قصة أنس نافذة لفهمٍ جديد، قائلًا: “هذه التجارب الشخصية تعلّمنا الكثير كمقدّمي خدمة. حجاج اليوم يتطلعون إلى رحلة متكاملة تبدأ من بلدانهم وتستجيب لاحتياجاتهم الخاصة والمتنوعة، وهذا هو ما نسعى لتقديمه”.
الشباب المسلم في الغرب
فيما أضاف حسن سروجي: “أنس لم يقطع المسافة على الدراجة وحده، بل فتح طريقًا جديدًا للحوار والتواصل مع الشباب المسلم في الغرب. لقد تعلّمنا منه بقدر ما تعلّم من رحلته، وسنأخذ هذه التجارب في الحسبان ونحن نخطط برامجنا المستقبلية”.
في تلك الليلة، لم يكن أنس مجرد حاجٍّ وصل إلى وجهته، بل أصبح رمزًا حيًّا للعزيمة والإيمان والتقارب الإنساني. وأكد أن الحج رحلةٌ عابرةٌ للحدود، تجمع البشر تحت راية واحدة مهما اختلفت طرقهم أو بعدت المسافات.