
أكد مختصون في أمراض الدم والجينات الطبية أن مرض الثلاسيميا لا يزال يمثل تحدياً حقيقياً للمجتمع، على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة في برامج التوعية والفحص والعلاج. وأوضحوا في حديثهم لـ “اليوم” بمناسبة اليوم العالمي للثلاسيميا، أن هذا المرض الوراثي المزمن، الذي يؤثر على الهيموغلوبين في الدم، يتطلب استجابة شاملة تبدأ من الفحص المبكر ولا تنتهي عند العلاج، بل تشمل أيضاً الدعم النفسي والاجتماعي ورفع مستوى الوعي المجتمعي.
أبرز تحديات المرضى
أشار الدكتور هاني محمد أميرالله الأفغاني، استشاري الجينات الطبية والسرطانية، إلى أن أبرز التحديات التي يواجهها مرضى الثلاسيميا في المملكة تتمثل في الاعتماد على نقل الدم المنتظم كل 3 إلى 4 أسابيع مدى الحياة. وهذا يرفع من خطر تراكم الحديد في الجسم، مما يمكن أن يؤدي إلى تلف الأعضاء الحيوية. وأضاف أن التكلفة العالية لعلاج إزالة الحديد تشكل عبئًا إضافيًا، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى توفر الأدوية بسهولة.
د. هاني الأفغاني
كما أشار إلى أن بعض المرضى يعانون من وصمة اجتماعية نتيجة المفاهيم الخاطئة حول كون المرض معديًا أو مرتبطًا بعيب وراثي، مما يسبب عزلة نفسية واجتماعية للمرضى وأسرهم. وأكد الدكتور الأفغاني على أهمية الفحص المبكر، خاصة قبل الزواج، مشيرًا إلى أن الفحص أصبح إلزاميًا منذ عام 2004، إلا أن بعض الأزواج لا يلتزمون بنتائجه. وشدد على ضرورة إجراء الفحوصات في حال وجود تاريخ عائلي أو عند ظهور أعراض فقر الدم مثل الشحوب أو تأخر النمو.
وفيما يتعلق بالتثقيف الصحي، دعا إلى تكثيف الحملات التوعوية عبر وسائل الإعلام، وإدراج معلومات عن الثلاسيميا في المناهج الدراسية، وتنظيم ندوات توعوية في الأماكن العامة. كما نوه بالدور المحوري للجمعيات المتخصصة، مثل الجمعية السعودية للثلاسيميا، في دعم المرضى وتمويل الأبحاث. وختم حديثه بالتأكيد على أن الثلاسيميا ليست قيدًا إذا توفرت الرعاية الصحية والتوعية المجتمعية، داعيًا إلى تعزيز برامج الفحص الجيني في المناطق الطرفية، والاستثمار في العلاج الجيني الذي يفتح آفاقًا جديدة للعلاج.
جهود المملكة في التوعية بالثلاسيميا
من جهتها، قالت الدكتورة حنان حمد الدعيلج، استشارية علم أمراض الدم بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، إن اليوم العالمي للثلاسيميا يمثل مناسبة إنسانية تسلط الضوء على معاناة آلاف المرضى في مختلف أنحاء العالم، وتدعو إلى التضامن معهم وتعزيز جهود الوقاية.
د. حنان الدعيلج
وأضافت: “الثلاسيميا ليست مجرد خلل في إنتاج الهيموغلوبين، بل هي رحلة طويلة من العلاج المستمر والمواعيد الدورية، بالإضافة إلى التعامل مع مضاعفات طبية ونفسية واجتماعية معقدة”. وأشارت إلى أن المملكة اتخذت خطوات مهمة في التوعية وتطبيق الفحص الإلزامي قبل الزواج، مما أدى إلى تقليل عدد الزيجات عالية الخطورة بنسبة تصل إلى 60% خلال سنوات قليلة. ومع ذلك، لا تزال بعض التحديات قائمة، مثل تأخر إجراء الفحوصات أو تجاهل نتائجها بسبب الضغوط الاجتماعية.
ودعت إلى تكثيف التثقيف المجتمعي من خلال إدماج التوعية في التعليم، وتنظيم ورش عمل وندوات تشارك فيها العائلات والمرضى أنفسهم لنقل تجاربهم إلى الآخرين. كما أكدت على أهمية الدعم النفسي من خلال توفير مرشدين متخصصين داخل المستشفيات، وتأسيس مجموعات دعم أسرية. وذكرت أن دعم البحث العلمي والعلاج الجيني يجب أن يتصدر أولويات الجهات الصحية، حيث تمثل هذه المجالات الأمل الحقيقي للمصابين في تحقيق تحسن جذري في جودة حياتهم.
أبرز الأعراض وأهم النصائح
أما الأخصائية حنان الغامدي، من قسم أمراض الدم والأمصال، فقد أشارت إلى أن مرض الثلاسيميا يُعرف أيضًا بـ”أنيميا البحر الأبيض المتوسط”، ويحدث بسبب خلل وراثي يؤدي إلى انخفاض مستوى الهيموغلوبين في الدم، مما يسبب فقر دم مزمن وتأثيرًا مباشرًا على الأكسجة في الجسم.
حنان الغامدي
وقالت إن الأعراض تعتمد على شدة ونوع الثلاسيميا، وتشمل الشحوب، التعب، تأخر النمو، وتكرار العدوى. وأضافت: “المصابون يحتاجون إلى متابعة طبية دائمة تشمل نقل دم منتظم، وعلاج للحديد الزائد، وفي بعض الحالات إجراء زراعة خلايا جذعية”. ونبهت إلى أهمية الفحص المبكر، خاصة في حال وجود تاريخ عائلي للمرض، مشيرة إلى إمكانية إجراء الفحص الجيني قبل الزواج أو أثناء الحمل، مما يساعد العائلات على اتخاذ قرارات مدروسة.
كما قدمت مجموعة من النصائح للمصابين، منها الالتزام بالمواعيد الدورية، عدم تناول المكملات الغذائية التي تحتوي على الحديد دون استشارة الطبيب، التغذية السليمة، تناول حمض الفوليك والكالسيوم وفيتامين D، والحرص على النظافة الشخصية واللقاحات الوقائية، خاصة لمن أجرى استئصالًا للطحال.
الصعوبات الاجتماعية والنفسية
وقالت الدكتورة لولوه سعد الراجح، استشارية أمراض الدم وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، إن الثلاسيميا تبدأ غالبًا في الطفولة المبكرة بأعراض تشمل الشحوب، التعب المزمن، وتأخر النمو، وهي تتطلب نقل دم دوري ورعاية صحية دقيقة.
د. لولوه الراجح
وأضافت أن المرضى يواجهون تحديات تتجاوز الجانب الطبي، تشمل الصعوبات الاجتماعية والنفسية، والحاجة إلى التقبل والدمج المجتمعي، لاسيما بين الأطفال واليافعين. وأشادت بجهود المملكة في تعزيز فحوصات ما قبل الزواج، ودعم برامج التوعية، وتوفير رعاية متخصصة في المستشفيات. كما دعت إلى إشراك المؤثرين وأئمة المساجد في نشر رسائل التوعية، وتأسيس مراكز دعم نفسي واجتماعي تُسهم في تخفيف معاناة الأسر.
العلاج الجيني يعكس المستقبل
وفي جانب علمي حديث، كشفت المتخصصة في التقنية الحيوية خلود الربيعي عن إنجاز علمي جديد في السعودية يتمثل في تطبيق تقنية “كريسبر” للعلاج الجيني لأول مرة على طفل مصاب بالثلاسيميا، باستخدام دواء “كاسجفي”، ما أدى إلى استغنائه عن عمليات نقل الدم بالكامل.
خلود الربيعي
وقالت إن العلاج الجيني يمثل تحولًا كبيرًا في مستقبل علاج الثلاسيميا، حيث يعتمد على تعديل الجين المسؤول عن إنتاج الهيموغلوبين لإنتاج نسخة سليمة منه. وأشارت إلى أن هيئة الغذاء والدواء السعودية أقرت هذا الدواء لعلاج المرضى من عمر 12 عامًا فأكثر. وأكدت أن هذا الإنجاز يمثل نقلة نوعية في الطب السعودي، ويبعث الأمل لمئات المصابين بإمكانية إنهاء معاناتهم بشكل جذري.
التوصيات
- تعزيز حملات الفحص الجيني قبل الزواج، وتوسيعها لتشمل المناطق الطرفية.
- تسهيل وصول الأدوية الخاصة بإزالة الحديد وتوفيرها مجانًا أو بأسعار مدعومة.
- إدراج معلومات شاملة عن الثلاسيميا في المناهج الدراسية.
- تنظيم ندوات توعوية ومجتمعية بمشاركة مرضى وأطباء.
- تأسيس مراكز نفسية واجتماعية متخصصة لدعم الأسر.
- تشجيع البحث العلمي في مجال العلاج الجيني والخلايا الجذعية.
- تحفيز المجتمع على كسر وصمة المرض وتقبله كحالة طبية لا تُعيب المصاب.
- ربط الجمعيات الصحية بالتجارب العالمية في إدارة المرض.
- إشراك الإعلام والمؤثرين في نشر ثقافة الفحص المبكر.
- تعزيز التواصل بين العائلات المصابة عبر مجموعات دعم وإرشاد متخصص.
تعليقات