
أكد مختصون قانونيون أن الإفصاح عن دخل المشاهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يعد إلزاميًا بشكل مباشر في النظام السعودي، إلا في سياقات محددة. هذا الأمر يفتح المجال أمام ممارسات قد تتجاوز الشفافية وتصل إلى التضليل التجاري. وأوضحوا في حديثهم لـ”” أن تأثير المشاهير المتزايد على سلوك المستهلكين والرأي العام، بالإضافة إلى تزايد تداول أرقام غير موثقة عن ثرواتهم، يفرض على الجهات التشريعية ضرورة الإسراع في تنظيم هذا القطاع المتنامي من خلال تشريعات واضحة وهيئات رقابية متخصصة. هذه الخطوات تضمن حماية المستهلك وحقوق الأطراف الأخرى، وخاصة في القضايا الأسرية أو المالية.
تأثير المشاهير
أشار المحامي سليمان الجميعي إلى أن تأثير المشاهير والمؤثرين على المجتمع السعودي يثير تساؤلات قانونية مهمة حول دخلهم الحقيقي ومدى صحة الأرقام المعلنة. وأضاف أن هناك فجوة قائمة بين الواقع وما يُعرض على المنصات.
سليمان الجميعي
قال الجميعي: “في زمنٍ أصبح فيه التأثير الرقمي أكثر قوة من أي وسيلة تقليدية، تزايد حضور المشاهير والمؤثرين في حياة الناس اليومية، ليس فقط عبر الصور والمنشورات، ولكن أيضًا من خلال سرد قصص النجاح والثروة وتحقيق الأرباح الهائلة”.
دخل المشاهير
أضاف الجميعي أن الحقائق تتباين خلف الكواليس، حيث تظهر تساؤلات مشروعة: هل دخل المشاهير حقيقي؟ من يضبط حجم الثروات؟ وهل يعاقب القانون من يضلل؟ وأكمل: “لا يوجد في النظام السعودي نص خاص يُلزم المشاهير بالإفصاح العلني عن دخلهم، ولكن يمكن أن يُطلب منهم الإفصاح في سياقات محددة، مثل الإقرارات الضريبية (مع بدء تطبيق نظام الضرائب على الأنشطة التجارية والإعلانات)، أو في القضايا المنظورة أمام القضاء كالنزاعات الأسرية (كالطلاق أو النفقة)، أو عند التقديم للحصول على دعم حكومي أو برامج تمويل، وفي حال الاشتباه بارتكاب جرائم غسل أموال أو تستر تجاري”.
مكافحة الجرائم المعلوماتية
وأشار الجميعي إلى أن التضليل المقصود، إذا اقترن بتحقيق مكاسب غير مشروعة، مثل التسويق الكاذب أو جمع التبرعات الوهمية، قد يدخل ضمن نطاق الاحتيال الإلكتروني أو التضليل التجاري. ويمكن مقاضاة المخالفين بموجب نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، ونظام التجارة الإلكترونية، ونظام مكافحة التستر التجاري. كما لفت الجميعي إلى أن الجهات الرقابية، مثل وزارة التجارة أو هيئة الإعلام المرئي والمسموع، تتابع هذا النوع من المخالفات.
الأنشطة الرقمية الجديدة
ودعا الجميعي إلى تطوير الأطر النظامية بما يتناسب مع التطورات التقنية المتسارعة. وأوضح أن “الأنظمة يجب أن تُحدث باستمرار لتشمل الأنشطة الرقمية الجديدة، من خلال فرض تراخيص على المؤثرين الذين يحققون دخلاً من الإعلانات – كما بدأ بالفعل في المملكة – وإلزامهم بالإفصاح عن المحتوى الإعلاني بوضوح لحماية المستهلك، إلى جانب تطوير أدوات رقابية رقمية لرصد المخالفات على المنصات”. وشدد على أن “هناك حاجة فعلية لتشريعات جديدة تنظم شفافية الإعلانات ودخل المؤثرين، من أبرز ملامحها: إلزام المؤثرين بإصدار فواتير والإفصاح عن الدخل الإعلاني، وتوضيح نوع الإعلان وما إذا كان مدفوعًا أو ترويجًا تطوعيًا. كما يجب فرض عقوبات واضحة على المخالفات مثل الغرامات أو حظر النشر، إلى جانب التعاون مع المنصات العالمية لفرض الالتزام بالقوانين المحلية”.
التحديات القانونية
أكد الجميعي أن “من أبرز التحديات القانونية في إثبات حالات التزوير أو التضليل هي عدم وجود شفافية مالية في أنشطة المشاهير، والطبيعة الرقمية المعقدة للإعلانات المدفوعة التي تحدث عبر منصات أجنبية، بالإضافة إلى إمكانية إخفاء الدخل من خلال شركات وهمية أو حسابات غير معلنة، وضعف أدوات التحقق الميداني مقارنة بسرعة انتشار المحتوى”.
وفيما يخص ضمان مصداقية المعلومات المالية، قال: “يجب على المنظومة القانونية التعاون مع هيئات الرقابة، عبر تبادل المعلومات بين هيئة الزكاة والضرائب، والهيئات الإعلامية، ومؤسسة النقد والبنك المركزي. يجب إلزام المشاهير بتقديم تقارير دورية إذا تجاوز دخلهم حداً معيناً، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد النشاط التجاري المعلن عنه ومقارنته بالدخل المصرح به، وفرض عقوبات على الكذب المالي في حال ترتب عليه ضرر للمستهلكين أو تهرب ضريبي”.
وحول النزاعات القانونية في الطلاق والميراث، أوضح الجميعي أن “القضاء يعتمد على البيانات المالية الموثقة مثل التحويلات البنكية، العقود الإعلانية، والتقارير الضريبية. يمكن للمحكمة طلب كشف حسابات من البنوك أو شركات الإعلانات، وفي بعض القضايا يجري الاستعانة بخبراء ماليين أو محاسبين قانونيين لتقدير الدخل الفعلي. يُسمح للطرف المتضرر بطلب كشف الذمة المالية للمطالبة بحقوقه المشروعة”.
الإقرارات الضريبية
قالت المستشارة القانونية ندى الخاير: “مع تنامي دور المشاهير والمؤثرين في تشكيل الرأي العام عبر منصات التواصل الاجتماعي، برزت تساؤلات قانونية واجتماعية حول حقيقة دخلهم، ومدى صحة ما يُعلن عنه في الوسائل الإعلامية أو يُستعرض عبر المحتوى المرئي. هذا يتطلب الوقوف على عدة محاور توضح أبعاد الظاهرة من منظور قانوني”.
ندى الخاير
وأضافت: “الإفصاح عن الدخل لا يُعد التزامًا عامًا على المشاهير، إلا أنه يصبح إلزاميًا في حالات محددة، مثل الإقرارات الضريبية والمالية، وخاصة في الأنظمة التي تعتمد على الشفافية الضريبية، أو الدعاوى القضائية المتعلقة بالطلاق أو النفقة أو الميراث، أو في حالات التحقيقات في قضايا غسل الأموال أو التهرب الضريبي، وكذلك عند ارتباط الدخل بمحتوى إعلاني مدفوع”.
آليات قانونية
وتابعت الخاير: “المبالغة أو الادعاء غير الصحيح حول حجم الثروة أو الدخل قد يشكل نوعًا من التضليل التجاري أو الاحتيال إذا استُخدم لتحقيق مكاسب غير مشروعة. وفي بعض الأنظمة، يُعد هذا الفعل خادعًا للمستهلكين ويستوجب المساءلة. هناك آليات قانونية لمقاضاة المخالفين، منها تقديم بلاغات للجهات المختصة بالغش التجاري أو الإعلانات المضللة، أو دعاوى التعويض من الأفراد المتضررين. بالإضافة إلى فرض غرامات أو عقوبات إدارية من قبل هيئات الإعلام أو التجارة”.
وشددت الخاير على أن القوانين بحاجة إلى مرونة وتحديث مستمر، قائلة: “بدأت بعض الدول، ومنها المملكة، بإصدار تشريعات خاصة بالمؤثرين، تفرض الحصول على ترخيص إعلاني، وتُلزم بالإفصاح عن الإعلانات المدفوعة. كما أن التحول نحو الاقتصاد الرقمي يحتم إدماج أدوات التحقق من الدخل الرقمي ضمن الأطر القانونية والضريبية”.
إنشاء هيئة مستقلة
أكدت الخاير أنه “توجد حاجة فعلية لتشريعات تنظم الشفافية المالية للمؤثرين، من أبرز ملامحها: إلزام بالإفصاح عن الإعلانات المدفوعة بطريقة واضحة، وتحديد سقف للغرامات في حال الإخفاء أو التضليل المالي، وإدراج المؤثرين ضمن الفئات الملزمة بتقديم إقرارات دورية عن مصادر دخلهم. يجب أيضًا إنشاء هيئة مستقلة تراقب المحتوى المالي والإعلاني للمؤثرين”. وأوضحت أن “من أبرز التحديات القانونية في إثبات التزوير أو التضليل هي غياب الوثائق الرسمية الداعمة للدخل، واختلاف طبيعة العقود بين المؤثرين والجهات الإعلانية، وصعوبة تتبع الدخل الناتج من المنصات العالمية، وعدم وجود معيار موحد لتقدير قيمة الإعلان أو المردود المالي”.
وفي جانب التعاون المؤسسي، دعت الخاير إلى “تكامل قانوني وتقني بين الجهات، من خلال التعاون مع هيئة الإعلام المرئي والمسموع لضبط المخالفات الإعلانية، وهيئة الزكاة والضريبة لمتابعة الإفصاح المالي، ووحدة مكافحة غسل الأموال لرصد المعاملات المشبوهة”.
وحول النزاعات القانونية في قضايا الطلاق والميراث، قالت: “يُطلب من المشاهير تقديم كشوفات حسابات، عقود إعلانات، تقارير ضريبية أو شهادات من الشركات المتعاملة معهم. وفي حال عدم كفاية الأدلة، تلجأ المحاكم إلى تقديرات الخبراء الماليين، أو مقارنة نمط الحياة مع ما جرى الإقرار به، أو طلب الإفصاح القضائي من المنصات أو الجهات الإعلانية”.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أن “الواقع الذي يعيشه الجمهور والتضخيم الذي يُمارس أحيانًا عبر المحتوى، يضع القانون أمام معادلة دقيقة تتطلب التوازن بين الحرية الشخصية والشفافية، وبين حماية المستهلك وملاحقة من يضلله. والتطور السريع في الاقتصاد الرقمي يستدعي الإسراع في تطوير تشريعات تتناسب مع هذه المرحلة”.
التوصيات:
- سن تشريعات ملزمة بالإفصاح عن دخل المؤثرين في الإعلانات التجارية.
- تطوير نظام رقابي رقمي لرصد المحتوى الإعلاني والمداخيل المرتبطة به.
- فرض تراخيص إلزامية على المؤثرين ضمن أنظمة واضحة المعايير.
- إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة أنشطة المؤثرين المالية والإعلانية.
- تعزيز التعاون بين الجهات الرقابية والقضائية لتبادل المعلومات.
- الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد حالات التزوير أو التضليل.
- فرض غرامات صارمة في حالات التضليل المالي أو الإعلانات المضللة.
- تمكين القضاء من الوصول للبيانات المصرفية والمنصات الإعلانية في حال النزاع.
- تطوير معيار وطني لتقدير قيمة الإعلانات الرقمية ودخل المؤثرين.
- إطلاق حملات توعوية لحماية المستهلك من التضليل في المحتوى الرقمي.
.
تعليقات