
قاد المسيرة التدريبية الطويلة ورصيد الألقاب المحلية والقارية المدرب التونسي فوزي البنزرتي ليصبح ظاهرة بحد ذاتها في كرة القدم، إذ صنع اسما لامعا بعد أن سطع نجمه في كل المحطات التي خاضها منذ ما يقارب 40 عاما.
وفي الوقت الذي ظن الكثير من المتابعين أن فوزي البنزرتي، البالغ من العمر 75 عاما، سيعتزل العمل في مجال التدريب نهائيا بعد استقالته من منتخب تونس في سبتمبر/أيلول 2024، ظهر المدرب من جديد في شهر فبراير/شباط الماضي على رأس الجهاز الفني للاتحاد المنستيري، ناديه الأم الذي كان أشرف على تدريبه في ثلاث مناسبات سابقة أولها عام 1980.
وقاد البنزرتي فريق الاتحاد حتى الآن للمركز الثاني بالدوري التونسي، بعد أن كان يعاني من أزمة نتائج، ليجعله قبل جولتين من نهاية السباق منافسا بارزا على اعتلاء منصة التتويج لأول مرة في تاريخه.
لا يبدو البنزرتي غريبا عن الألقاب، فهو المدرب العربي الأكثر تتويجا بالبطولات برصيد 23 لقبا، لكن حلم قيادة فريقه الأم، الاتحاد المنستيري، بلقب الدوري هو بمثابة الحلم الكبير الذي يراوده وكل مشجعي النادي الذي تأسس عام 1942 ولم يفز إلا بالكأس في مناسبة واحدة عام 2020.
فوزي البنزرتي (يمين) اعتبر تجربته الأخيرة مع منتخب تونس ناجحة (الجزيرة)
وفيما يلي نص المقابلة:
- بداية، كيف تحكم على عودتك إلى فريق البدايات، الاتحاد المنستيري لتدريبه في موسم 2024ـ2025، بعد أشهر قليلة على رحيلك عن منتخب تونس؟
المنستيري هو فريقي الأم، هنا ولدت ونشأت وقطعت أولى خطواتي في كرة القدم، فهذا الفريق له فضل كبير علي، ولا يمكن أن أرفض مساعدته عندما أرى نفسي قادرا على ذلك.
بعد رحيلي عن قيادة الجهاز الفني للمنتخب لم أكن أفكر في العودة إلى الملاعب، ولكن مسؤولي الاتحاد المنستيري تواصلوا معي بشأن تدريب الفريق الأول الذي شهد بعض التراجع في نتائجه، وفي الحقيقة لم يأخذ الأمر سوى ساعات معدودة للاتفاق على كل الأمور والجلوس من جديد على دكة الفريق الذي أعتبره جزءا من حياتي الرياضية وحتى الشخصية.
سبق لي أن دربت المنستيري في مستهل مشواري عام 1979، وحققنا معا الصعود للدرجة الأولى في أعقاب موسم 1980-1981، وبالتالي أعتبر عودتي هذه بمثابة الاعتراف بالجميل لهذا النادي.
- قبل جولتين من نهاية سباق الدوري التونسي، يحتل المنستيري المركز الثاني على بعد نقطتين فقط عن المتصدر الترجي، هل تعتبر ذلك مؤشرا لكون الفريق قريبا من إنجاز غير مسبوق بالتتويج باللقب للمرة الأولى في تاريخه؟
عندما تسلمت مقاليد تدريب الفريق لم أتحدث ولو للحظة عن التتويج والألقاب، لا مع اللاعبين ولا عند توقيع العقد مع المسؤولين.
الاتحاد المنستيري لم يحرز سابقا اللقب، رغم أننا لعبنا ضمن مجموعة التتويج في 2022، وكنت مدربا للفريق آنذاك ونجحنا في التأهل لدوري أبطال أفريقيا.
الكثير من المشجعين للنادي والمتابعين يرون المجموعة الحالية قادرة على المنافسة بقوة على الدوري، ولكن أعتقد أن الحديث عن الألقاب داخل فريق معظم لاعبيه من الشبان الصاعدين سيشتت الأذهان ويفرز ضغوطا نحن في غني عنها. سنعمل على الفوز في مباراتينا المقبلتين ومن بينها الجولة الأخيرة في الدوري أمام الترجي على ملعبه، وبعد ذلك سنرى ماذا سيحدث.
عموما، أعتبر أن الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة جدا في السباق ونحن في الصدارة هو إنجاز مهم بحد ذاته.
- كيف تقيم مستوى الدوري التونسي في الموسم الجاري مقارنة بالدوريات العربية؟
المستوى جيد وما وجود 4 أندية معنية بالتتويج قبل 3 جولات من النهاية إلا دليل على أن الدوري بلغ درجة متميزة فنيا.
في السابق كان اللقب يحسم قبل جولات من النهاية، أما في العام الجاري فهناك الترجي والمنستيري والنجم الساحلي، تنافس رسميا على اللقب، والأفريقي لا يزال معنيا بالتتويج حسابيا.
لكن أعتقد أن نظام الدوري يحتاج رغم ذلك إلى مزيد من إعادة النظر على عدة أصعدة من أجل تحسين المستوى بما سيكون له أثر كبير على منتخب تونس ونتائج الأندية في المسابقات الأفريقية والعربية.
- ما ملاحظاتك على النظام الحالي.. الدوري بمجموعة واحدة من 16 ناديا؟
في المواسم الماضية كان الدوري الممتاز يُلعب على مرحلتين: دور المجموعتين ثم مرحلة التتويج، وهي صيغة أضرت كثيرا بالمستوى الكروي لكل الأندية باعتبار أن بعضا منها وبمجرد ضمان البقاء في دوري الأضواء ينخفض المستوى وتصبح المباريات مفتوحة على الكثير من التأويلات.
خلال الموسم الجاري عاد الدوري إلى نظام المجموعة الواحدة، ولكن أعتقد أن التقليص في عدد الأندية إلى 12 فريقا سيكون الصيغة المثالية حسب رأيي لمشاهدة مباريات ذات أداء فني رفيع بما يسهم في تقارب المستوى وتطور جل الأندية وبالتالي تحسّن نتائجها ومشاركاتها في مسابقات الأندية أفريقيا وعربيا.
- شهد الموسم الجاري جدلا كبيرا واعتراضات من الأندية على النتائج، فضلا عن الاحتجاجات على أداء الحكام.. ما تعليقك على المشهد الراهن في الدوري؟
أزمة الثقة بين الأندية ولجنة الحكام هي التي فجّرت الوضع داخل الدوري، الأندية لم تعد تثق في الحكام التونسيين بعد ما أثبتته عدة مباريات أن هناك بالفعل أخطاء فادحة أثرت على نتائج المباريات.
الحكم الأجنبي أصبح شرّا لا بد منه في الدوري التونسي ليس فقط لأن مستواه أفضل من الحكم المحلي ولكن لأن الأندية نفسها أصبحت تفرض أسماء عدة للحكام لتفادي مزيد من التصعيد ولضمان أكبر قدر من النزاهة في المباريات الحاسمة، وقد أثبتت المباريات الأخيرة بالفعل أن الحكم الأجنبي أصبح ضرورة في المباريات الهامة في سباق التتويج أو تفادي الهبوط.
- أشرفت على تدريب منتخب تونس 4 مرات كان آخرها بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 2024.. كيف تقيم تلك التجارب وهل تكشف أسباب مغادرتك؟
كل التجارب التي خضتها على رأس الجهاز الفني للمنتخب كانت للأسف مقتضبة بسبب الضغوط والأجواء العامة التي كانت تشهدها الساحة الكروية في تلك الفترات.
في 1994 تم الاستنجاد بي بعد المباراة الأولى لكأس أمم أفريقيا في ذلك العام، حينما كنت مدربا للترجي، وكانت الأوضاع صعبة، لذلك لم تستمر التجربة، وفي نهاية العام ذاته قدت الترجي لإحراز كأس أفريقيا للأندية البطلة (دوري أبطال أفريقيا حاليا) لأول مرة في تاريخه.
أما بخصوص التجربة الأخيرة فقد حققت فيها النجاح وقدت نسور قرطاج للفوز في مباراتين والتأهل لأمم أفريقيا 2025، قدمت استقالتي لأني شعرت أنه لم يعد بإمكاني إفادة المجموعة، بعد أن حققت المهمة الأساسية بالتأهل للنهائيات القارية.
- هل تعتقد أن المنتخب التونسي تحت قيادة سامي الطرابلسي قادر على النجاح في المسابقات المقبلة: كأس أمم أفريقيا وكأس العرب وتصفيات مونديال 2026؟
النتائج الحالية جيدة وهذا هو المهم، سامي الطرابلسي يعرف المنتخب وسبق له تدريبه والنجاح فيه، أعتقد أن الانتصارين الأخيرين على كل من ليبيريا وملاوي مهمان جدا لتصدر مجموعة المونديال والاقتراب من التأهل.
أما في بطولتي كأس أمم أفريقيا وكأس العرب فهناك متسع من الوقت لتجهيز المنتخب للمشاركة في كليهما رغم أنهما متزامنتان.
- كيف تتوقع المشاركة في كأس العرب قطر 2025، وهل ترى أن تونس مطالبة بالمشاركة بالمنتخب الأول؟
طبعا، كأس العرب للمنتخبات مسابقة مهمة وتقتضي المشاركة بأفضل العناصر، و”كان 2025″ هي أيضا تظاهرة مهمة وتونس بحاجة إلى الظهور فيها بوجه مشرف ولكن أعتقد أن سامي الطرابلسي قادر على خوض كأس العرب بنجاح ثم المشاركة في أمم أفريقيا بالمغرب أواخر العام الجاري.
سيكون بالإمكان أيضا تعزيز المنتخب بلاعبين بارزين من الدوري الممتاز والذهاب إلى قطر من أجل التتويج بكأس العرب بعد أن بلغنا في النسخة الأولى 2021 النهائي.
- خلال مسيرتك التدريبية التي ناهزت 45 عاما، وخضت خلالها تجارب في تونس والجزائر والمغرب وليبيا والإمارات وغيرها، أي المحطات التدريبية التي تعتبرها الأكثر رسوخا بذاكرتك؟
أعتقد أن تدريب الاتحاد المنستيري فريقي الأم، والمدينة التي ولدت ونشأت فيها هو من المحطات الراسخة في مشواري الرياضي ككل، لكن من المؤكد أيضا أن لحظات النجاح والتتويجات التي حققتها كان لها أثر كبير في مسيرتي خصوصا في البدايات.
عندما دربت النجم الساحلي في 1986، في أول تجربة لي بعد المنستيري، نجحت في قيادة الفريق للتتويج بلقب الدوري، وكررت ذلك الإنجاز في 3 مناسبات أخرى: 2007 و2016 و2023، ومن الصدف أن آخر 3 ألقاب للنجم في الدوري كانت تحت قيادتي.
حققت مع الوداد المغربي لقب الدوري في مناسبتين وكأس السوبر الأفريقي وبلغت مع الرجاء نهائي كأس العالم للأندية 2013 وهي محطات ملهمة بالنسبة لي.
هناك تجارب أخرى راسخة مثل التتويج مع الأفريقي بلقب الدوري التونسي 1990 بعد أن كان الفريق بعيدا بفارق 13 نقطة عن المتصدر الترجي، وهذا الأخير أملك معه تجارب راسخة جدا لعل أبرزها التتويج بدوري أبطال أفريقيا 1994 وكأس العرب 1993 و2009 و2017 بجانب لقب الدوري التونسي في 5 مناسبات.
الترجي هو الفريق الذي تقاسمت معه الكثير من الإنجازات والتتويجات، وبلغت معه نهائي دوري أبطال أفريقيا 2010، وأتمنى أن أحقق مع فريقي الحالي المنستيري شيئا تحفظه ذاكرة كرة القدم.
تعليقات