
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والاضطرابات التجارية المستمرة، يواصل اقتصاد اليونان إثبات قوته ومرونته بشكل لافت، مما أثار اهتمام الأوساط الاقتصادية الدولية. يبدو أن البلاد قادرة على مواجهة أي صدمات جديدة في الأسواق العالمية، سواء كانت نتيجة للتغييرات في التعريفات الجمركية أو تقلبات أسعار الطاقة. وكأن اليونان تقول للجميع: “نحن ثابتون على موقفنا وسنستمر حتى النهاية”، رغم كل التحولات التي تحدث من حولنا.
توقعات النمو والقدرة على الصمود
توقع صندوق النقد الدولي أن يحقق اقتصاد اليونان أعلى معدل نمو داخل منطقة اليورو العام المقبل، حيث يُنتظر تسجيل معدل نمو يبلغ 2.3% في عام 2025، وهو ما يتجاوز بكثير متوسط النمو المتوقع لمعظم دول المنطقة الذي سيكون حوالي 1.2%. كما وضعت الأرقام الحكومية نسبة نمو متوقعة تبلغ 2.2% لعام 2024، وهي نسبة جيدة جدًا مقارنة بجيرانها الأوروبيين.
وفي أبريل الماضي، أدلى كيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس وزراء اليونان، بتصريح واضح قال فيه: “اقتصاد بلدنا واقف على رجليه وسيواجه جميع التحديات الجديدة التي تفرضها التعريفات الجمركية الأمريكية”. وهذا التصريح يعكس الواقع فعلاً؛ إذ إن الاتحاد الأوروبي نفسه يواجه حاليًا تعريفات تصل إلى 25% على منتجات مثل الصلب والألومنيوم والسيارات، بالإضافة إلى 20% على معظم السلع الأخرى. لكن الحكومة في أثينا تعمل بجد لتعزيز الاقتصاد الوطني بحكمة ودون اتخاذ قرارات متهورة.
تحسن التصنيف الائتماني وثقة المؤسسات الدولية
لم يتوقف إعجاب المؤسسات الدولية عند حدود التصريحات والتوقعات فقط؛ بل قامت مؤسسات تصنيف ائتماني مثل وكالة موديز برفع تصنيف اليونان إلى BAA3 بدلاً من BAA1. وأشارت الوكالة إلى أن الوضع المالي العام قد تحسن أسرع مما توقعوا، كما أكدت على الاستقرار السياسي وتحسين الأداء المؤسسي للحكومة، وكل هذه العوامل تعزز ثقة المستثمرين.
علاوةً على ذلك، رفعت وكالة فيتش تصنيف الديون السيادية إلى BB- مع نظرة مستقبلية مستقرة، مما يعني أن البلاد أصبحت ضمن فئة الاستثمار الآمن.
السياحة والبناء يقودان الانتعاش
أما قطاع السياحة فقد لعب دور البطولة في دفع الاقتصاد للأمام. أحدث بيانات معهد السياحة اليوناني أظهرت أن البلاد استقبلت 1.6 مليون سائح جوي دولي خلال الربع الأول من السنة الحالية، بزيادة قدرها 77 ألف سائح مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وتُظهر التوقعات الحكومية أن عدد السياح قد يصل إلى 40 مليون سنويًا بحلول عام 2028، مما سيفتح آفاق توظيف لأكثر من 80,000 شاب وشابة في السوق المحلي. وفي السنة الماضية وحدها حقق قطاع السياحة إيرادات بلغت 20 مليار يورو مع زيارة حوالي 31 مليون سائح.
من جهة أخرى، سجل معدل التضخم في نوفمبر الماضي انخفاضًا طفيفًا ليصل إلى 3% مقارنة بشهر أكتوبر السابق له. وتتوقع هيئة الإحصاء الأوروبية (يوروستات) استمرار هذا الانخفاض التدريجي حتى عام 2026.
تظل اليونان محافظةً على توازنها وسط الأمواج العالية وتبعث برسالة قوية للعالم: “سنستمر في النمو… وسنواجه أي عواصف قادمة”.
تعليقات