
من أزقة موزمبيق في أفريقيا إلى قمة ملاعب كرة القدم العالمية، يبرز اسم أوزيبيو دا سيلفا فيريرا كرمز خالد للموهبة والإصرار والنبل الرياضي.
لم يكن أوزيبيو مجرد هداف استثنائي، بل أسطورة شكلت نقطة تحول في تاريخ اللعبة، ووضعت البرتغال على خريطة كرة القدم العالمية في زمن هيمنت فيه أسماء مثل بيليه ودي ستيفانو وبوشكاش.
بدايات أوزيبيو
وُلد أوزيبيو في لورينسو ماركيز بموزمبيق عام 1942، في حي فقير يُعرف باسم مافالالا. كان والده يعمل في السكك الحديدية، فيما تولت والدته تربية الأسرة.
بدأت مسيرته الكروية في شوارع الحي، مستخدمًا كرة مصنوعة من الجوارب أو الورق الملفوف. ولكن الطريق إلى المجد لم يكن سهلاً، بل كان مليئًا بالتحديات، من صراعات الأندية للظفر بتوقيعه إلى النضال الأكبر لإثبات أن الموهبة لا تعترف بالجغرافيا أو اللون أو الأصل.
البداية الاحترافية
انضم أوزيبيو إلى فريق شباب محلي مرتبط بنادي سبورتنغ لشبونة، حيث لفت الأنظار بقدراته الفطرية وسرعته الفائقة. وعلى الرغم من أن سبورتينغ كان أول من احتضنه، إلا أن بنفيكا كان النادي الذي آمن به حقًا، عندما أقنع مدربه الشهير بيلا غوتمان والدته بالسماح له بالانتقال إلى البرتغال، بعد توصية من لاعب برازيلي شاهد أوزيبيو في مباراة بموزمبيق.
مع بنفيكا، لم يكن مجرد نجم، بل كان نيزكًا هجوميًا لا يمكن إيقافه، حيث سجل 727 هدفًا في 715 مباراة، وحقق 11 لقب دوري مع النادي البرتغالي.
أبرز إنجازاته
لكن المجد الأوروبي لم يكتمل في نهائي 1968، حيث خسر أوزيبيو أمام مانشستر يونايتد، وأهدر فرصة في اللحظات الأخيرة، لكنه هنأ الحارس بدلاً من التحسر، في تصرف يجسد روحه الرياضية النبيلة.
أما مع المنتخب البرتغالي، فقد كان قائدًا حقيقيًا، وأبرز لحظاته كانت في كأس العالم 1966، حيث أصبح هداف البطولة بـ9 أهداف، منها 4 أهداف في مباراة خالدة ضد كوريا الشمالية، ليقود “برازيل أوروبا” إلى نصف النهائي لأول مرة في تاريخها.
وكان من الممكن أن يتألق أوزيبيو أكثر، لكن السياسة تدخلت رغم العروض المغرية من أندية كبرى، أبرزها إنتر ميلان، حيث منعه الحاكم البرتغالي أنطونيو سالازار من مغادرة البلاد، معتبرًا إياه “ثروة وطنية”.
الحياة بعد الاعتزال
بقي أوزيبيو في بنفيكا وتألق محليًا، لكنه لم يشارك في المونديال مرة أخرى، وبقي حلم رفع الكأس العالمية بعيد المنال. بعد اعتزاله، ظل أوزيبيو سفيرًا للرياضة البرتغالية، وحظي باحترام واسع في الأوساط الرياضية.
نُصب له تمثال خارج ملعب “دا لوز”، واختير مرارًا كأعظم لاعب برتغالي، قبل أن يتألق نجم كريستيانو رونالدو.
وفي سنواته الأخيرة، قال بأسى: “كنت أفضل لاعب في العالم، وهدافه الأول، فعلت كل شيء، إلا الفوز بكأس العالم”.
في عام 2014، رحل أوزيبيو، لكن تمثاله خارج ملعب “دا لوز” يبقى شاهدًا على أن “النمر الأسود” لم يمت، بل أصبح خالداً في ذاكرة اللعبة، يُذكر بفخر كأعظم لاعب برتغالي، وأحد أعظم من لمسوا الكرة في التاريخ.
تعليقات