الهادي البياري أسطورة تونسية حققت المجد رغم الإهمال والنكران

الهادي البياري أسطورة تونسية حققت المجد رغم الإهمال والنكران

تونس – يُعتبر الخامس من مايو/أيار من كل عام موعدًا لا يُنسى بالنسبة لجماهير النادي الأفريقي التونسي، حيث يُحيي هذا التاريخ ذكرى أكبر انتصار حققه فريقهم في تاريخ الديربي التونسي ضد الغريم التقليدي الترجي.

قبل نحو أربعين عامًا، وتحديدًا في 5 مايو/أيار 1985، حقق النادي الأفريقي فوزًا ساحقًا على الترجي بنتيجة 5-1، ليُسجل هذا الانتصار كأكبر نتيجة في تاريخ مواجهات الفريقين. وقد ارتبط هذا الانتصار بنجم الفريق الهادي البياري، الذي سجل الهدف الخامس، مما جعله رمزًا محوريًا في قلوب جماهير النادي.

قاد البياري مسيرة كروية مبهرة مع الأفريقي، حيث أصبح أفضل هداف في تاريخ النادي. لكن، في الوقت الذي يواجه فيه أسطورة فريق “باب الجديد” ظروفًا صحية واجتماعية صعبة، يزداد شعوره بالتجاهل والنكران من قبل ناديه، مما يزيد من معاناته.

مسيرة مذهلة وأرقام قياسية

بعد سنوات من اعتزاله كرة القدم، يعاني البياري (69 عامًا) من مشاكل صحية ناجمة عن مسيرته الرياضية، حيث خضع لعمليات جراحية عدة، كان آخرها جراحة معقدة في الظهر، ولا تزال تلك الأوجاع تؤرقه، بينما يفتقد الدعم من ناديه.

رغم ما قدمه للنادي على مدار 18 عامًا، واجه البياري التجاهل، حيث أكد في حديثه للجزيرة نت أنه لم يتلق أي مساعدة من مسؤولي الأفريقي أثناء فترة تعافيه في المستشفى.

يقول البياري: “كرست شبابي للنادي الأفريقي، ولم يكن في ذهني سوى مصلحة الفريق وإسعاد الجماهير. كنا نلعب كرة القدم كهواة، ولم تكن هناك الكثير من الأموال كما هو الحال مع لاعبي الجيل الحالي، ورغم ذلك كنا ندافع بشراسة عن فريقنا ونقوده نحو الألقاب”.

ويضيف: “بعد ما يقارب 20 عامًا في صفوف الأفريقي، أنهيت مسيرتي الرياضية محققا العديد من الألقاب والإنجازات الفردية، لكن ذلك لم يكن كافيًا للحصول على الدعم من مسؤولي النادي في أوقات محنتي الصحية”.

بدأ الهادي البياري مشواره الكروي في نادي جمعية أريانة عام 1967، تحت إشراف شقيقه الأكبر، الذي كان أول من دعمه في خطواته الأولى. وفي عام 1972، لاحظ النادي الأفريقي موهبته، ليضمه إلى فريق الشباب، مما شكل نقطة تحول في مسيرته.

يقول البياري: “انضممت للنادي الأفريقي، وفي نفس الوقت انتقل صديقي طارق ذياب إلى الترجي. بدأت مشواري في الأفريقي وأنا في السادسة عشر، ولعبت أول مباراة لي مع الفريق الأول بعد عامين عندما منحني المدرب أندريه ناجي الفرصة لأصبح المهاجم الأساسي، وأحرزت ثنائية في أول مباراة لي”.

خلال مسيرته بين 1973 و1990، حصل الهادي البياري على لقب الدوري التونسي ثلاث مرات: 1979 و1980 و1990، بالإضافة إلى تتويجه بكأس تونس عام 1976 في نهائي تاريخي ضد الترجي، والسوبر التونسي عام 1979.

كما حقق البياري العديد من الإنجازات الفردية، حيث يُعتبر الهداف التاريخي للدوري التونسي برصيد 110 أهداف، وللنادي الأفريقي برصيد 127 هدفًا، وهو اللاعب الوحيد الذي فاز بجائزة الحذاء الذهبي لهداف الدوري التونسي ثلاث مرات: 1980 (14 هدفًا) و1983 (17 هدفًا) و1984 (12 هدفًا).

إلى جانب مسيرته مع الأفريقي، خاض البياري تجربة الاحتراف الخارجي مع نادي السويق العماني وأهلي دبي الإماراتي، كما تألق مع منتخب تونس في حوالي 40 مباراة سجل خلالها 16 هدفًا، من بينها “هاتريك” في شباك رواندا خلال تصفيات أمم أفريقيا 1984.

“الأفريقي تنكر لرموزه”

لم يكن اعتزال البياري لكرة القدم في عمر 35 عامًا سوى نهاية مسيرة لافتة، اختتمها بلقب الدوري التونسي الذي انتظره الأفريقي لمدة عشر سنوات. لكن، قوبلت إنجازاته بالتجاهل من قبل ناديه، خاصة في السنوات الأخيرة التي عاشها في ظروف صحية ومعيشية صعبة.

يقول البياري للجزيرة نت: “لا يعلم الكثيرون أنني مدرب أملك جميع شهادات التدريب، لكن لم أحظ بأي اهتمام من النادي الأفريقي، وجدت نفسي خارج أسوار فريقي لأسباب لا أفهمها”.

وأضاف: “أمضيت حوالي 20 عامًا في الأفريقي، ولكن عندما واجهت المتاعب الصحية، لم أتلق أي دعم من النادي. خضعت لعملية جراحية في الظهر، وتم تركيب فقرات صناعية، ولم يقدم مسؤولو النادي أي مساعدة، رغم أن تكاليف العلاج كانت باهظة”.

ويشير البياري إلى أن معاناته الصحية تثير حزنه، قائلًا: “يؤلمني أن يصبح اللاعبون الرموز خارج دائرة الاهتمام بمجرد اعتزالهم. لم تكن المتاعب الصحية سوى نتيجة لما قدمته على أرض الملعب. تعرضت للعديد من الإصابات، وكنا نلعب بعقلية احترافية رغم أننا كنا هواة في ذلك الوقت”.

وكشف البياري أن الجراحة التي خضع لها لم تكن دافعًا للمسؤولين للسؤال عنه أو تكريمه في إحدى مباريات النادي، مضيفًا: “في مباراة الديربي الأخيرة ضد الترجي، اضطررت لشراء تذكرتين لبعض أصدقائي، ولم يتدخل أي مسؤول في النادي لدعمي. الحمد لله، أعيش حاليًا براتب المعاش من عملي السابق”.

قام البياري بمهمة مرافق للفريق الأول عام 2019، لكنه تم استبعاده بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق عبد السلام اليونسي، مما زاد من شعوره بالتجاهل. ويقول: “لم أسعَ للحصول على مناصب أو لتدريب النادي، رغم أنني أملك كل المؤهلات لذلك. لكن ما يحزنني هو سياسة النكران من المسؤولين الحاليين، فلم يتم استشارتي حول أوضاع النادي الذي فقد بريقه وأصبح في أزمة”.

في ظل هذه الظروف، يُعاني الهداف التاريخي للأفريقي من التجاهل، حيث يصف حالته بقوله: “النادي يعيش أزمة كروية منذ سنوات، مما أبعده عن منصات التتويج، وذلك بسبب الاعتماد على المدربين الأجانب وعدم استشارة رموزه. اليوم، خرج الفريق من سباق المنافسة على الدوري بعد خسارته أمام الترجي 3-1، ورغم ذلك، لا يزال المدرب الفرنسي دافيد بيتوني في منصبه رغم سوء النتائج”.

لم يتمكن الأفريقي، ثاني أقدم أندية تونس بعد الترجي، من اعتلاء منصة التتويج بلقب الدوري الممتاز منذ عام 2015، كما شهدت نتائجه تراجعًا ملحوظًا في المنعطف الحاسم من الموسم الحالي، ليبتعد عن المنافسة على اللقب بفارق ست نقاط عن الترجي والمنستيري المتصدرين قبل ثلاث جولات من انتهاء السباق.