
على سرير العلاج في أحد مستشفيات غزة، يتصفح الفتى الفلسطيني أحمد الغلبان -بيد متعبة لم يتبقى فيها سوى إصبع واحد- مقاطع فيديو قديمة له وهو يمارس رياضة الجمباز بخفة ورشاقة في فضاء مفتوح شمال القطاع.
تجمع هذه المقاطع ذكريات أحمد (16 عاماً) مع توأمه محمد، الذي قُتل خلال غارة إسرائيلية استهدفتهما واثنين آخرين من أقاربهما بشكل مباشر داخل منزلهما في منطقة الشيماء ببلدة بيت لاهيا، بينما كانا يستعدان للرحيل بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء المنطقة في 22 مارس/آذار الماضي.
نتج عن هذه الغارة فقدان الغلبان لساقيه (فوق الركبة) وأربعة من أصابع يده اليسرى، بالإضافة إلى إصابة بكسر في يده اليمنى وإصابة خطيرة في منطقة الظهر.
بينما كان الغلبان يتمتع بروح مرحة ويقوم بالقفز بشكل متكرر، حوله الصاروخ الإسرائيلي إلى جسد مريض غير قادر على الحركة بشكل مستقل، حيث أصبح مؤخراً يحاول النوم والنهوض دون مساعدة من أحد.
في تحدٍ للبتر والإعاقة التي تسعى إسرائيل لإلحاقها بأطفال وشباب غزة، يعبر الغلبان عن أمله في استكمال علاجه في الخارج وتركيب أطراف صناعية تعيد له حلمه في ممارسة رياضة الجمباز.
لحظة الواقعة
يسترجع الغلبان بصوت مرتجف تفاصيل يوم الحادثة، حيث ذهب إلى منزله في منطقة الشيماء برفقة توأمه وشقيق والدته وابنته لتجهيز مقتنياتهم استعداداً للرحيل وفق الأوامر الإسرائيلية. ورغم كونهم مدنيين، وغالبية من كانوا معه من الأطفال وفقاً لاتفاقية حقوق الطفل، إلا أن الجيش الإسرائيلي استهدفهم مباشرة باستخدام تقنيات عسكرية متطورة.
ولم ينجُ من هذا الاستهداف سوى محمد، الذي فقد أجزاء من جسده بأعجوبة. ويصف الغلبان لحظة الاستهداف بأنه لم يستوعب ما حدث، حيث وجد شقيق والدته وتوأمه مُقطعين، مما دفعه لقراءة آيات من القرآن الكريم، ليقوم توأمه بترديدها في أولى لحظات القصف.
بعدها، فقد الغلبان وعيه، ولم يستفق إلا وهو في المستشفى.
رياضة الجمباز
يقول الغلبان إنه وتوأمه بدآ ممارسة رياضة الجمباز منذ سبع سنوات، حيث شاركا في مهرجانات وحفلات للأطفال قبل بدء الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ويشير إلى أن إسرائيل حرمتهم من ممارسة هذه الرياضة بعد أن سرقت ساقيه وتوأمه.
ويعبر عن طموحه في السفر للخارج لاستكمال العلاج وتركيب أطراف صناعية تمكنه من المشي ومواصلة حلمه في هذه الرياضة الهوائية. وقد أكدت تقارير حقوقية وأممية معاناة القطاع الصحي في غزة بسبب الإبادة الإسرائيلية التي استهدفت المراكز الصحية والمستشفيات، فضلاً عن إغلاق المعابر.
منذ 2 مارس/آذار الماضي، تواصل إسرائيل إغلاق معابر القطاع أمام دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين بحسب تقارير حكومية وحقوقية ودولية.
وتقول أمينة، والدة التوأم، إن أحمد ومحمد انضما منذ سبع سنوات إلى نادي نجوم غزة للسيرك، وشاركا في مهرجانات محلية للجمباز. وتعبر عن أملها في تركيب أطراف صناعية لابنها أحمد لتتيح له العودة لممارسة هوايته المفضلة.
وفي 2 مارس/آذار الماضي، أشار ملك الأردن عبد الله الثاني إلى أن قطاع غزة يحتوي على أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف مقارنة بعدد السكان على مستوى العالم. وقد أكد ذلك فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، حين أعلن في ديسمبر/كانون الأول 2024 عن وجود “جائحة إعاقة” في القطاع.
وأوضح أن غزة تضم أعلى معدل في العالم من مبتوري الأطراف من الأطفال نسبة لعدد السكان، حيث فقد الكثير منهم أطرافهم وخضعوا لعمليات جراحية دون تخدير.
ووفقاً لبيان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بتاريخ 23 مارس/آذار الماضي، تعرض 4700 فلسطيني لحالات بتر جراء الإبادة الإسرائيلية، بينهم 18% من الأطفال. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتكبت إسرائيل، بدعم أميركي، جرائم إبادة جماعية في غزة، مما أسفر عن مقتل وإصابة نحو 170 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود.
يأمل الغلبان في استكمال علاجه في الخارج وتركيب أطراف صناعية تعيد له الأمل في العودة إلى ممارسة رياضة الجمباز.
تعليقات