إطلاق تحديث جذري للائحة شركات التمويل لتعزيز الناتج المحلي

إطلاق تحديث جذري للائحة شركات التمويل لتعزيز الناتج المحلي

طرح البنك المركزي السعودي “ساما” مشروع تحديث شامل للائحة التنفيذية لنظام مراقبة، في خطوة استراتيجية تتماشى مع زيادة حجم وتنوع الأنشطة التمويلية داخل المملكة. يهدف هذا التحديث إلى تعزيز دور شركات التمويل في دعم الناتج المحلي، وتنظيم القطاع بما يضمن الاستقرار والنمو المستدام. يتزامن هذا التحديث مع التطورات في قطاع التمويل، حيث أوضح أن اللائحة الجديدة تستهدف تنظيم متطلبات ممارسة كافة الأنشطة التمويلية ضمن إطار واحد، مع استثناء بعض المتطلبات الخاصة التي تنظمها قواعد مستقلة صادرة عن “ساما”. تسعى اللائحة إلى تمكين شركات التمويل من زيادة السيولة المقدمة، مما يساهم في رفع مساهمتها في الناتج المحلي للمملكة، وهو توجه يدعم الرؤية الوطنية نحو اقتصاد متنوع ومستدام.

تعزيز الحوكمة ومراجعة الأحكام التنظيمية

ضمن أهم المحاور التي تناولها التحديث، تم إجراء مراجعة دقيقة للأحكام الخاصة بالأطراف ذوي العلاقة، وتنظيم عمليات الاستحواذ والطرح في السوق المالية، إضافة إلى تحديث المعايير المفروضة على المؤسسين وأعضاء مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين. كما قدم المشروع دعمًا خاصًا للشركات الناشئة في القطاع، عبر تخفيض الحد الأدنى للضمان البنكي المطلوب إلى 20% فقط من رأس المال الأدنى للنشاط، بدلاً من 100% كما كان معمولاً به سابقًا، بهدف تشجيع دخول مزيد من اللاعبين الجدد إلى السوق.

الترخيص وممارسة الأنشطة التمويلية: ضوابط جديدة

شددت اللائحة الجديدة على ضرورة الحصول على ترخيص رسمي من البنك المركزي قبل ممارسة أي نشاط تمويلي. أكدت اللائحة أن كل شخص اعتباري يُرخص له بممارسة نشاط أو أكثر من الأنشطة التمويلية المحددة في النظام سيخضع لأحكام اللائحة، كما يمنع تمامًا ممارسة أي نشاط تمويلي دون ترخيص أو بالمخالفة للأنظمة. فيما يتعلق بتمويل السلع والخدمات، أكدت اللائحة أنه يجب أن يتم عبر جهات مرخصة فقط، مع التأكيد على عدم إعادة تملك السلعة المباعة للمستهلك، مما يعزز حماية المستهلك ويضمن شفافية العمليات التمويلية.

التمويل العقاري والاستهلاكي والمشاريع الصغيرة

خصصت اللائحة الجديدة معايير واضحة للأنشطة المختلفة، مثل: التمويل العقاري الذي يقتصر تقديمه على الجهات المرخصة فقط، والتمويل الاستهلاكي المصغر المخصص لشراء السلع والخدمات الاستهلاكية فقط، دون استخدامه للأغراض التجارية أو لتمويل شراء المركبات. حُدد سقف التمويل بمبلغ 50 ألف ريال، بينما يتم خفضه إلى 25 ألف ريال إذا تم عبر التقنية المالية. كما يستهدف التمويل متناهي الصغر أصحاب الأعمال الصغيرة والحرفيين، بحد أقصى للتمويل قدره 200 ألف ريال. أكدت “ساما” أنها تستطيع تعديل الحدود القصوى للتمويل وفقًا لأوضاع السوق أو تبعًا للنطاق الجغرافي.

شروط تأسيس شركات التمويل

وضعت اللائحة شروطًا دقيقة لتأسيس شركات التمويل، إذ يتوجب على المؤسسين تقديم دراسة جدوى تفصيلية، ونماذج عمل واستراتيجيات مستقبلية لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى تقديم ضمان بنكي غير قابل للإلغاء. أما الحد الأدنى لرأس المال، فقد حُدد وفقًا لطبيعة النشاط، مثل:

  • 200 مليون ريال لشركات التمويل العقاري.
  • 100 مليون ريال لشركات التمويل الأخرى.
  • 50 مليون ريال لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

تتطلب الأنشطة التقنية مثل التمويل الاستهلاكي المصغر أو التمويل الجماعي مبالغ أقل. كما أكدت اللائحة أن البنك المركزي يملك صلاحية رفع أو خفض الحد الأدنى لرأس المال وفق متغيرات السوق.

الحوكمة المؤسسية: معايير أهلية صارمة

ركزت اللائحة بشكل ملحوظ على معايير الملاءمة والأهلية للمؤسسين وأعضاء مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين، حيث اشترطت:

  • عدم الإدانة بأي جريمة مخلة بالأمانة، مع مضي عشر سنوات على تنفيذ العقوبة.
  • التمتع بالملاءة المالية وعدم وجود إخلال سابق بالالتزامات المالية.
  • الحصول على عدم ممانعة رسمية من البنك المركزي قبل الاستحواذ على نسبة مؤثرة في أي شركة تمويل.

كما اشترطت ألا يكون العضو المؤسس أو المدير قد خضع لإشهار إفلاس أو تم رفض طلب ترخيص سابق له خلال فترات زمنية محددة.

ضوابط التمويل بالتقنية المالية والابتكار

أولت اللائحة اهتمامًا خاصًا بالتقنيات المالية، حيث وضعت اشتراطات مرنة تتماشى مع متطلبات العصر بالنسبة للشركات التي تقدم خدمات التمويل الاستهلاكي المصغر عبر منصات التقنية المالية أو التمويل الجماعي بالدين. تضمنت الشروط تخفيض الحد الأدنى لرأس المال لهذه الشركات إلى خمسة ملايين ريال، مع الإبقاء على ضوابط صارمة لضمان سلامة القطاع. يمثل هذا التحديث خطوة متقدمة للبنك المركزي نحو تطوير قطاع التمويل في السعودية بما يتماشى مع أفضل المعايير الدولية. ومن المتوقع أن تساهم اللائحة الجديدة في رفع مستوى الحوكمة والشفافية والكفاءة التشغيلية لشركات التمويل، مما يعزز قدرتها على تقديم خدمات تمويلية ميسرة وآمنة للمواطنين والمقيمين. أكد البنك المركزي السعودي في ختام إعلانه أن المشروع متاح للملاحظات والاقتراحات من العموم، داعيًا كافة المهتمين للمشاركة برأيهم عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لذلك، مما يعكس التزام “ساما” بمبدأ الشفافية والشراكة المجتمعية.

متطلبات صارمة لرأس المال والسيولة

ألزمت التحديثات شركات التمويل بالامتثال لمستويات كفاية رأس المال والسيولة وفق المعايير التي يحددها البنك، مع ضرورة تزويد “ساما” بالبيانات الاحترازية في الأوقات المحددة، والالتزام بتقديم أي تقارير إضافية عند الطلب. تهدف هذه الخطوة إلى تعزيز الرقابة الاستباقية على الأداء المالي لهذه الشركات. لم تقتصر الالتزامات الجديدة على الأنشطة التمويلية، إذ شددت اللائحة على ضرورة الحصول على عدم ممانعة من البنك قبل طرح أسهم شركات التمويل في السوق المالية، أو إقرار أو إعلان توزيع الأرباح، بعد التأكد من استيفاء كافة الشروط النظامية.

تنظيم دقيق للأنشطة والحوكمة

أكدت “ساما” أن شركات التمويل ممنوعة من ممارسة أي أنشطة أخرى غير التمويل، أو امتلاك منشآت تمارس أنشطة أخرى، إلا بعد الحصول على الموافقات اللازمة. كما منعت اللائحة استحواذ الشركات على أصول لا ترتبط مباشرة بأعمالها دون موافقة البنك، وفرضت الحصول على عدم ممانعة في حالات التصفية الجزئية أو الكلية. على صعيد الحوكمة، شددت التحديثات على ضرورة تطوير لوائح داخلية لحوكمة الشركات واعتمادها من مجالس الإدارة، مع تحديد واضح لاختصاصات المجلس واللجان التابعة له. ألزمت اللائحة شركات التمويل بتشكيل لجان متخصصة على رأسها لجنة المراجعة ولجنة إدارة المخاطر والائتمان، مما يضمن وجود هيكل تنظيمي فاعل ومسؤول. كما ألزمت “ساما” شركات التمويل بضرورة توفير تجهيزات تقنية متوافقة مع المعايير الفنية المعتمدة، على أن تكون كافية لتلبية احتياجات الشركة وطبيعة مخاطرها التشغيلية. طالبت اللائحة أيضًا بحفظ جميع الوثائق والملفات والسجلات بطريقة منظمة وآمنة لمدة لا تقل عن عشر سنوات، مع تحديثها بشكل دوري لضمان اكتمالها ومطابقتها للأنظمة.

دعم التوطين وتنظيم التوظيف

وضعت اللائحة الجديدة شروطًا واضحة لدعم خطط التوطين، حيث اشترطت أن تكون نسبة السعوديين في شركات التمويل لا تقل عن 50٪ عند بدء النشاط، مع زيادة سنوية لا تقل عن 5٪ حتى الوصول إلى نسبة 75٪. كما حددت ضوابط دقيقة لتعيين غير السعوديين، أبرزها تقديم ما يثبت عدم توافر الكفاءات الوطنية مع اشتراط الحصول على عدم ممانعة البنك قبل التعيين. نظمت اللائحة إجراءات الاستعانة بمقدمي الخدمات الخارجيين، وألزمت الشركات بوضع سياسة مكتوبة لإسناد المهام يتم تحديثها سنويًا، مع ضمان إمكانية وصول البنك ومراجعي الحسابات إلى جميع المعلومات والوثائق المتعلقة بمقدمي الخدمات. شددت “ساما” على أهمية وجود استراتيجية مكتوبة لإدارة المخاطر تعتمدها مجالس الإدارة، مع إنشاء إدارات متخصصة للمخاطر ترتبط مباشرة بلجنة إدارة المخاطر والائتمان. ألزمت اللائحة شركات التمويل بإعداد تقارير دورية ربع سنوية عن المخاطر، لمناقشتها واعتمادها من مجلس الإدارة وتزويد البنك بها. كما حددت التحديثات نطاق عمل شركات التمويل فيما يخص سياسات التمويل، بما يشمل الجدارة الائتمانية، وإدارة الضمانات، والتعامل مع التمويلات المتعثرة، مع فرض رقابة دقيقة على التمويل متناهي الصغر عبر إجراءات تقييم أداء المستفيدين وضمان الاستخدام السليم لمبالغ التمويل.

قيود على حجم التمويلات والتعرضات

فرضت اللائحة قيودًا على حجم التمويلات التي تقدمها الشركات، بحيث لا تتجاوز نسبًا محددة مرتبطة برأس المال المدفوع والاحتياطيات. شددت القيود على التعرضات الكبيرة للمستفيدين، مع ضرورة الحصول على عدم ممانعة البنك في بعض الحالات، مما يسهم في الحد من المخاطر النظامية. فيما يخص التمويل بعملات أجنبية أو لمستفيدين غير مقيمين، اشترطت اللائحة الحصول على موافقة البنك المسبقة، إلى جانب فرض ضرورة وجود ضمانات كافية قبل منح التمويل، مع السماح بالتمويل دون ضمانات فقط ضمن حدود وضوابط مشددة.

التزام كامل بالأنظمة والمعايير الدولية

ألزمت اللائحة شركات التمويل بالالتزام بالأنظمة والتعليمات السارية ومبادئ الالتزام الصادرة عن البنك، إلى جانب تطبيق معايير المحاسبة الدولية في إعداد المخصصات لمقابلة الخسائر والمخاطر المحتملة، مع إمكانية مطالبة البنك بوضع مخصصات إضافية عند الحاجة. أكدت “ساما” أن هذه التحديثات تهدف إلى رفع كفاءة شركات التمويل، وحماية حقوق المستفيدين، وتعزيز استقرار القطاع المالي، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 في تطوير القطاع المالي وزيادة مساهمته في الناتج المحلي.